بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرى الإسراء و المعراج
ذكر بن عساكر أحاديث الإسراء في أوائل البعثة ، و أما بن اسحاق فذكرها في هذا الموطن بعد البعثة بنحو من عشر سنين ، و روى البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن الزهري أنه قال:أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم قبل خروجه الى المدينة بسنة .قال و كذلك ذكره بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة . ثم روى الحاكم عن الأصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن أسباط بن بصر عن اسماعيل السدي أنه قال :فرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم الخمس ببيت المقدس ليلة أسري بي قبل مهاجره بستة عشر شهرا . فعلى قول السدي يكون الإسراء في شهر ذي القعدة و على قول الزهري و عروة يكون في ربيع الأول .و قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عثمان عن سعيد ابن مينا عن جابر و ابن عباس قالا:ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول و فيه بعث ، و فيه عرج به الى السماء ، و فيه هاجر ،و فيه مات .فيه انقطاع،.و قد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته و قد أورد حديثا لا يصح سنده ذكرناه في فضائل شهر رجب أن الإسراء كان ليلة السابع و العشرين من رجب و الله أعلم.و من الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب و هي ليلة الرغائب التي أحدثت فيها الصلاة المشهورة و لا أصل لذالك و الله أعلم .و ينشد بعضهم في ذلك :ـ
ليلة الجمعة عرج بالنبي **ليلة الجمعة أول رجب
و هذا الشعر عليه ركاكة و انما ذكرناه استشهادا لمن يقول به. و قد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك مستقصاة عند قوله تعالى :ـ
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من أياتنا انه هو السميع البصير .ـ
فلتكتب من هناك على ما هي عليه من الأسانيد و العزو ، و الكلام معها ففيها مقنع و كفاية و لله الحمد و المنة ـ
و لنذكر ملخص كلام بن اسحاق رحمه الله فانه قال بعد ذكر ما تقدم من الفصول : ثم أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ـ و هو بيت المقدس من ايلياء =فلسطين=ـ و قد فشا الإسلام بمكة في قريش و القبائل كلها . قال : و كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه و سلم عن ابن مسعود و أبي سعيد و عائشة و معاوية و أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنهم و الحسن بن أبي الحسن و ابن شهاب الزهري و قتادة و غيرهم من أهل العلم ما اجتمع في هذا الحديث كل يحدث عنه بعض ما ذكر لي من أمره و كان في مسراه صلى الله عليه و سلم و ما ذكر لي منه بلاء و تمحيص و أمر من الله و قدرته و سلطانه فيه عبرة لأولي ألألباب ، و هدى و رحمة و ثبات لمن أمن و صدق وكان من أمر الله على يقين ، فأسري به كيف شاء و كما شاء ليريه من أياته ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره و سلطانه العظيم و قدرته التي يصنع بها ما يريد .و كان عبد الله بن مسعود فيما بلغني يقول :أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبراق و هي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله ،تضع حافرها في موضع منتهى طرفها فحمل عليها ثم خرج به صاحبه يرى الأيات فيما بين السماء و الأرض حتى انتهى الى بيت المقدس فوجد فيه ابراهيم و موسى و عيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتى بثلاثة انية من لبن و خمر و ماء فذكر أنه شرب اناء اللبن ، فقال لي جبريل : هديت و هديت أمتك . و ذكر ابن اسحاق في سياق الحسن البصري مرسلا أن جبريل أيقظه ثم خرج به الى باب المسجد الحرام فأركبه البراق و هو دابة أبيض بين البغل و الحمار و في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه يضع حافره في منتهى طرفه ثم حملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني و لا أفوته ـ
قلت و في الحديث ـ و هو عن قتادة فيما ذكره بن اسحاق ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أراد ركوب البراق شمس ـ جمح ـ به فوضع جبريل يده على معرفته ـ وجهه ـ ثم قال : ألا تستحي يابراق مما تصنع ! فو الله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه . فاستحى حتى أرفض عرقا ثم قر حتى ركبته . قال الحسن في حديثه فمضى رسول الله صلى الله عليه و سلم و مضى معه جبريل حتى انتهى الى بيت المقدس فوجد فيه ابراهيم و موسى و عيسى في نفر من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ، ثم ذكر اختياره اناء اللبن على اناء الخمر ، و قول جبريل له هديت و هديت أمتك ، و حرمت عليكم الخمر ، قال : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم الى مكة فأصبح يخبر قريشا بذلك فذكر أنه كذبه أكثر الناس و ارتدت طائفة بعد اسلامها ، و بادر الصديق الى التصديق ، وقال : اني لأصدقه في خبر السماء بكرة و عشية أفلا أصدقه في بيت المقدس ؟! و ذكر أن الصديق سأله عن صفة بيت المقدس فذكرها له رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فيومئذ سمي أبوبكر الصديق .قال الحسن : و أنزل الله في ذلك : ـ و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس ـ الأية و ذكر ابن اسحاق فيما بلغه عن أم هانئ أنها قالت : ما أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم الا من بيتي نام عندي تلك الليلة بعد ما صلى العشاء الاخرة فلما كان قبيل الفجر أهبنا فلما كان الصبح و صلينا معه قال:ـ
ـ يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الأخرة في هذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت الغداة معكم الان كما ترين ـ ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه فقلت : يا نبي الله لا تحدث بهذا الحديث الناس فيكذبونك و يؤذونك . قال : و الله لأحدثنهموه ـ فأخبرهم فكذبوه . فقال : و اية ذلك اني مررت بعير بني فلان بوادي كذا و كذا فأنفرهم حس الدابة فند لهم بعير فدللتهم عليه و أنا متوجه الى الشام ، ثم أقبلت حتى اذا كنت بصحنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما و لهم اناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه و شربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان و اية ذلك : أن عيرهم تصوب الأن من ثنية التنعيم البيضاء يقدمها جمل أورق عليه غرارتان احداهما سوداء و الأخرى برقاء . قال : فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل الذي وصف لهم ، و سألوهم عن الإناء و البعير فأخبروهم كما ذكر صلوات الله و سلامه عليه ـ