عيد الميلاد المجيد
(ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب)
ان العالم بميلاد السيد المسيح، قد بدأ عصراً جديداً، يختلف كلية عما سبقته من عصور، وأصبح هذا الميلاد المجيد، فاصلاً بين زمنين متمايزين ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد.
فما هو هذا التجديد الذي قدمته المسيحية، حتى قيل في الإنجيل "الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً؟
لقد قدم السيد المسيح مفهوماً جديداً للحياة، وتعبيرات جديدة لم تكن مستعملة من قبل، ومعاني روحية عميقة لجميع المدركات، حتى بهت سامعوه من كلامه، وصاحوا قائلين "ما سمعنا قط كلاماً مثل هذا".
جاء السيد المسيح ينشر الحبقائلين "ما سمعنا قط كلاماً مثل هذا".
لم تكن مستعملة من قبل، ومعاني روحية عميقة لجميع المدركات، حتى بهت سامعوه بين الناس وبين الناس والله. يقدم الله للناس أباً محباً، يعاملهم لا كعبيد وانما كأبناء. ويصلّون اليه قائلين "أبانا الذي في السموات". وفي الحرص على محبته يفعل الناس وصاياه. لا خوفاً من عقوبته وانما حباً للخير وفي هذا قالت المسيحية" الله محبة، من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه".
وهكذا قال السيد المسيح ان جميع الوصايا تتركز في واحدة، وهي المحبة: "تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، وتحب قريبك كنفسك. بهذا يتعلق الناموس كله والأنبياء".
وادخل المسيح تعليم جديد في المحبة، وهي محبة الأعداء والمسيئين. فقال "احبوا اعداءكم، باركوا لاعنيكم. احسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم". وترى المسيحية في هذا، أن رد الإساءة بالإساءة، والإعتداء بالإعتداء، معناه ان الشر قد انتصر. بينما تعليم الكتاب هو "لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير، إن جاع عدوك فاطعمه، وان عطش فاسقيه". ويجب ان تنتصر المحبة، لأن "المحبة لا تسقط أبداً، مياه كثيرة لا تستطيع ان تطفىء المحبة". إن عبارة "الله محبة" عبارة جديدة على العالم، الذي لم يكن يعرف سوى الله الجبار المخيف الذي يخشى الناس سطوته ويترضونه بالذبائج وألوان العبادات. وان عبارة "محبة الأعداء" هي عبارة جديدة أيضاً في المعاملات الإنسانية، بهت العالم لسماعها من فم المسيح وفي المحبة، جاء المسيح أيضاً ببشارة السلام، سلام بين الناس وسلام بين الانسان والله وسلام في اعماق النفس من الداخل سلام من الله يفوق كل عقل. ولما ولد المسيح غنّت الملائكة "وعلى الأرض السلام".
ان يسوع المسيح هو لغز الأجيال ومعجزة المعجزات فهو فريد في ميلاده العذراوي وفي تواضعه وولادته في مذود. ومن العجيب ان يتحول هذا المذود الحقير إلى قصر عظيم، يزوره كبار المجوس ليقدّموا هداياهم عند قدمي يسوع وسجود المجوس كان أول سجود في تاريخ المسيحية، لم تحتفل الأرض به ولكن السماء ارتجت لمولده، وأجراس السماء دقت له. لقد سقطت البشرية في القديم عن طريق آدم وحواء. لذلك كان على آدم الثاني، الرب يسوع المسيح ان يأتي على عكس الطريقة التي سببت السقوط لآدم الأول. فآدم الأول خلق ولم يولد. لذلك جاء آدم الثاني الرب يسوع مولوداً غير مخلوق. وكما كانت حواء سبب سقوط البشرية وقد جاءت من جسم رجل بغير امرأة، هكذا يسوع سبّب خلاص للبشرية، جاء من جسد امرأة بغير رجل. وكما ان آدم الأول سقط عن طريق الكبرياء، هكذا نجح آدم الثاني عن طريق التواضع لكي يقتل بذرة الكبرياء اللعينة.
ولذلك جاء الملاك الى مريم العذراء ليبشرها بمولودها العجيب ويدق بذلك اجراس الروح القدس قائلاً: الروح القدس يحلّ عليك وقوّة العلي تظللك". وكانت العذراء نموذجاً للفتاة المؤمنة، القديسة، الطاهرة، لذلك صدّقت بشارة الملاك وآمنت وخضعت قائلة "هوذا انا امة الرب، ليكن لي كقولك" وأصبحت مريم العذراء بحق هيكلاً للروح القدس.
هذا هو سر المسيحية كلها: الله ...تكلم...والكلمة صار جسداً. فلقد أرسل الله لنا انبياء عديدين في العهد القديم. أرسلهم لعل الناس يفهمون مقاصد الله. وعندما لم يفهموا الله، كان لابد ليعرفنا ذاته، ان ينزل هو الينا ويحل بيننا ونرى مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملؤاً نعمةً وحقاً. ويقول بولس الرسول "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً، الذي اذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة ان يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه أسما فوق كل اسم، لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الآب.
ايلين صالح